ثمة سياسيون يشعرنا رحيلهم بنوع من الأسف، ليس لأنهم ماتوا ــ رغم أن الدنيا تصبح أفضل في غيابهم ــ ولكن لأنهم أفلتوا من العقاب الدنيوي، ولم يحاسبوا علي جرائمهم التي ارتكبوها وهم أحياء، شمعون بيريز الذي مات قبل أيام في تل أبيب واحد من هؤلاء.
ذلك أنه طوال عمره (مات عن ٩٣ عاما) ظل متآمرا وقاتلا ومجرم حرب، خدع كثيرين في السنوات الأخيرة وقدم نفسه باعتباره رجلا معتدلا حتى فاز بجائزة نوبل للسلام.
وإذا كان الإسرائيليون قد اعتبروه من «المؤسسين العظام»، إلا أنه يستحق في النظر العربي أن يقدم بحسبانه أحد أبرز المتآمرين الأشرار الذين تلوثت أيديهم بالدم الفلسطيني والعربي.
إذ صنف من وقت مبكر ضمن صفوف حزب بالعمل، وظل حاضرا طول الوقت في ترتيب العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ وفي إنشاء مفاعل إسرائيل النووي وإطلاق حملة الاستيطان في الضفة الغربية وصولا إلى اتفاقيات أوسلو وعدوان عناقيد الغضب ومجزرة قانا في عام ١٩٩٦.
وصفه الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي بأنه ساهم في أمن إسرائيل، لكنه كان مخادعا ولم يكن رجل سلام (هاآرتس ٩/٢٩) وهو في الثلاثين من عمره عين نائبا لوزير الدفاع تحت قيادة بن جوريون، وكان وزيرا للمالية تارة وللدفاع تارة أخرى، ثم إنه عين رئيسا للحكومة مرتين، وحين تولى رئاسة الدولة (٢٠١٤/٢/٧) شنت إسرائيل ثلاثة حروب.
الأولى في ديسمبر عام ٢٠٠٨ التي استمرت ٢١ يوما وقتل فيها ١٤١٧ فلسطينيا، والثانية اندلعت في عام 2012 وتواصلت لثمانية أيام مما أدى إلى مقتل ١٥٥ فلسطينيا، الثالثة كانت الحرب الأكثر شراسة في صيف عام ٢٠١٤ واستمرت ٥١ يوما، مما تسبب في مقتل أكثر من ألفي فلسطيني.
ولا ينسى له دوره في مذبحة «قانا» التي قتل فيها ٢٥٠ لبنانيا عام ١٩٩٦، كانوا قد احتموا ضمن آخرين في أحد مباني الأمم المتحدة.
بيانات التأبين للرجل التي صدرت عن قوى اليمين الإسرائيلي ذكرت الجميع بدور بيريز في إسدال الستار على فرصة واقعية للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع مع الفلسطينيين.
وقد عرض الباحث الفلسطيني صالح النعامي لتلك البيانات في تقرير نشره موقع «عربي ٢١» ذكر فيه أن بيان التأبين الذي صدر عن مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أعاد إلى الأذهان حقيقة أن بيريز كوزير للحرب عام ١٩٧٤ هو من سمح لحركة «غوش ايمونيم» اليمينية المتطرفة ببناء المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية، لأول مرة منذ احتلالها عام ١٩٦٧.
وشدد البيان على أن بيريز وهو وزير للحرب تحدى رئيس الوزراء الأسبق اسحاق رابين ومعظم الوزراء الذين أبدوا اعتراضهم على بناء المستوطنات، وأصر على إطلاق المشروع بدعوى أنه يتم «في أرض إسرائيل»، لذلك وصفه البروفيسور الجنرال اريين الدار من قادة المستوطنين في الضفة الغربية بأنه «أبو المشروع الاستيطاني» في الضفة.
وفي مقالة نشرتها صحيفة «معاريف» في ٩/٢٩ نوه الدار إلى أنه تبين لدى بيريز أن المستوطنات التي حرص على إقامتها في منتصف سبعينيات القرن الماضي ستجعل من المستحيل تطبيق فكرة الدولة الفلسطينية التي أيدها فيما بعد.
أشار الكاتب أيضا إلى أنه على الرغم من ادعاء بيريز بأنه «حمامة سلام» فقد كان من أكثر القادة الإسرائيليين حماسا لاستخدام القوة ضد العرب والفلسطينيين، آية ذلك أن الكاتب ميخائيل بار زوه الذي ألف كتابه عن سيرته الذاتية ذكر أنه كان من أبرز الساسة الذين حثوا على شن حربي ٥٦ و٦٧ ضد مصر، بالإضافة إلى تأييد كل الحملات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في الداخل والخارج.
بسبب ما سبق فإنني استغربت رثاء بعض المسؤولين العرب له.
ولا أخفي أنني أحد الذين شعروا بالاستياء حين علمت بما أوردته الإذاعة الإسرائيلية بخصوص مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في جنازة الرجل، ثم حمدت الله أن الخبر كان غير صحيح، وأن وزير خارجية مصر وليس رئيسها هو الذي سيمثلها في الجنازة.
وقد اعتبرت استبعاد الفكرة كان قرارا حكيما، وكان الأحكم أن يغيب وزير خارجية مصر عن جنازة الرجل السيئ التاريخ والذكر، لكني مع ذلك استرحت للقرار باعتبار ان العَوَر أفضل كثيرا من العمى!
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق